أغلب سكان جزيرة سخالين اليوم من الروس. ولكن الأمر لم يكن هكذا دائما. وسكان الجزيرة الأصليون الحقيقيون هم "النيفخ". هذا الشعب اكتشفه البحارة الأوائل منذ الأزمنة القديمة، وقد وصفوه على هذا النحو: "بحاترة برقبة قصيرة وصدر نام جيدا ورجلين قصيرتين معوجتين ورأس واسع كبير وبشرة سمراء وعينين قاتمتين وشعر مستقيم أسود يجدل عند الرجال بضفيرة إلى الخلف، وعند النساء بضفيرتين, وتلاحظ في الوجه ملامح جنس مغولي".
لا وجود اليوم لمستوطنات "النيفخ" إلا في شمال جزيرة سخالين، في ضواحي مدينة "أوخا" التي سنتوجه إليها الآن لنرى هذا الشعب العجيب بأعيننا!
كلمة "النيفخ" تعني بترجمتها من اللغة المحلية "الناس". وقد تفرق "النيفخ" في أراضيهم الأصلية إلى مجموعات صغيرة. وكانت مستوطنات النيفخ تقع قرب أماكن صيد السمك والحيوانات البحرية. وكانوا يمارسون صيد السمك على مدار السنة. وكان "النيفخ" يأكلون كل ما يصطادونه من السمك وهو طازدج. ونادرا ما كانوا يملحونه. وكانوا يستخرجون الشحم من السمك، ويستخدمون جلد الحيوانات البحرية في صنع الملابس والأحذية.
الأقراط المصنوعة من سلك فضي أو نحاسي كانت دائما زينة شائعة لدى النساء "النيفخيات". وكان لها من الأعلى شكل حلقة، ومن الأسفل شكل لولب مجعد. وكان القرط أحيانا عبارة عن حلقة كبيرة من سلك فضي مرصع بخرز زجاجي ملون أو بحلقات مسطحة من الحجر.
يمكن اليوم اعتبار أن الأردية والأكمام هي الملابس النسائية الأساسية. وللرداء المصنوع من القماش تفصيلة كيمونو ياباني. وأردية العيد يزينها بسخاء قماش زاه وزخارف متنوعة. ويخيطون على الأردية زخارف معدنية نادرة للغاية. وتنقل عادة من الأردية القديمة إلى الجديدة وترثها البنت عن الأم.
يعيش النيفخ على النمط القديم إلى الآن. وهم يصيدون حيوانات البحر والغابة ويبيعونها. وأكثر البضائع رواجا هي براثن الدب وشحوم الفقمة التي يستخدمها اليابانيون والكوريون لتحضير أدوية غالية جدا.
على مائدة "النيفخ" التقليدية تمكن رؤية لحم أيل أو سمك مجمد حديثا ومقطع على شكل شرائح رقيقة يجب قبل تناوله تمليحه وفلفلته جيدا. والحلويات التقليدية عبارة عن بودنغ محضر من شحم الفقمة المخلوط بجلد سمك رقيق مخفوق إلى أن يصبح له قوام كالرغوة ومرشوش فوقه ثمار برية وله طعم ورائحة متميزتان جدا.
"الكالني" أداة موسيقية قديمة لدى "النيفخ". وهي مكونة من أنبوب طويل يستخدم لصنعها جذع مجفف لنبتة تسمى "زمارة الدب" ويبلغ طولها مترين. وللعزف على هذه الآلة تقنية خاصة: وكأنما يرتل "النيفخ" ألحانهم في "الكالني". وثمة لدى "النيفخ" أدوات موسيقية قديمة وفريدة أخرى لا تقل طرافة، مثل "الطينرين"، وهو دف من جلد الأيل. ويدهش أيضا الأسلوب الفريد للغناء الحلقي الذي يعود بالمستمعين إلى الأزمنة الغابرة.
جميع الرقصات لدى شعب النيفخ العريق كانت مرتبطة بالطقوس. لم يرقصوا ابدا من أجل الترفيه عن النفس. كانوا يرقصون فقط في "عيد الدب" أو عند أداء الطقوس الشامانية ( السحرية)، أي عندما يقيمون صلة مباشرة بالأرواح. كانوا يعتبرون كل دب ابنا من أبناء سيد غابات التايغا ، لذلك كان صيده يقترن بطقوس معينة.
كانوا يصطادون الدب ويعلفونه ويربونه على مدى عدة سنوات في حظيرة خاصة. وفي " عيد الدب"يلبسونه حلة خاصة ويطوفون به على البيوت وهم يطعمونه من أطباق خشبية. بعد ذلك يضحون به برميه بالسهام. ثم يضعون بجوار راس الدب المقتول أطعمة مختلفة وهم " يضيفونه " لآخر مرة.
كانت النساء تؤدي الرقصات في "عيد الدب" محاكية مشية الدب . وكانت الشخاليل واحدة من الآلات الموسيقية المصاحبة لرقصهم. في الطقوس الشامانية كان النيفخ يستخدمون بدلا من الشخاليل أغصان الشوح التي كانت تلعب دور الآرواح الشامانية.
كانت الالعاب والمباريات التقليدية جزءا لايتجزأ من حياة النيفخ اليومية. وكانت تلك المباريات وسيلة ناجعة لتربية الجيل الصاعد. فبفضل هذه الالعاب والمباريات كانت خبرة الاجيال السابقة الايجابية تنتقل الى الاجيال الجديدة فتهذبها وتعلمها كيف تعيش في انسجام تام مع الطبيعة.
الوسائل الاصيلة للتربية البدنية كانت تقوي جلد الأطفال على مواجهة ظروف البيئة والمعيشة القاسية . ومن خلالها يتعلم الاطفال طرق الصيد التقليدية في اسرهم ، ويحافظون على لياقتهم البدنية التي هم في أشد الحاجة اليها في كفاحهم الدائم مع الوسط المحيط. كل هذه الألعاب والتمارين تستخدم اليوم في نظام التربية البدنية لتلاميذ سخالين.
معظم النيفخ العصريين يعيشون اليوم في منازل مجهزة بوسائل الراحة ، ويركبون السيارات او الدراجات النارية ويتحدثون بالروسية. ومع ذلك فاي طفل يلقاك في الطريق يستطيع أن يحييك بلغة النيفخ ويحدثك عن نفسه بترحاب. ترى هل هناك مستقبل لدى هذا الشعب الصغيرالمنسي في أطراف سخالين؟ احكوا بأنفسكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق